أظهرنا في العدد السابق، بصورة لا تقبل الشك وحجة لا تقبل الدحض، أنّ محرر السمير تحامل على «هاني بعل» تحاملاً واضحاً، مقصوداً، بحجة الدفاع عن «شاعر» كنا نعتقد، من غير تمحيص، أنّ أبا ماضي يعلو عن مرتبته ليس فقط في شعره بل في فهمه للشعر. ووعدنا القراء بتناول الناحية الأخرى من تحامل جريدة السمير، تحاملاً مستوراً على الحزب السوري القومي وشخصية الزعيم. وها نحن نبرّ بوعدنا:
قلنا في المقالة السابقة: «فمن حيث المسائل القومية والسياسية المتعلقة بأمتنا ووطننا ترى السمير مائعة كل الميعان» وهذه حقيقة تنبهت لها بعض الأوساط القومية وشاءت أن تعالجها قبل التثبت من اتخاذ السمير خطة التحامل على الحزب السوري القومي والمقاومة لحركته، مقاومة مدسوسة أحياناً في معرض التأييد له أو الدفاع عنه. ويذكر القراء أنّ مدير هذه الجريدة الزوبعة كتب بعض مقالات فيها وفي سورية الجديدة التي تصدر في سان باولو، البرازيل، يعالج فيها بعض نواحي الميعان وضعف التفكير القومي والسياسي لأبـي ماضي. وهذه المقالات كتبت بروح الرغبة في تنبيه أبـي ماضي بطريقة لطيفة إلى أغلاطه الفكرية والروحية ليتجنبها وليهتم بالتعمق في درس القضايا التي يعرض لها أحياناً في «يومياته». ولكن أول محاولة لإصلاح نهج السمير المشوش صدرت منذ نحو سنة من أحد كبار مفكري الحركة السورية القومية وعلمائها الموجود حالاً في الولايات المتحدة. وقد نشرت هذه المحاولة جريدة النسر النيويوركية في عددها الصادر في 19 أغسطس/آب 1940، لأن جريدة السمير رفضت نشرها. وقد نقلتها جريدة سورية الجديدة إلى عددها 82 الصادر في 7 سبتمبر/أيلول من السنة عينها. وإليك الخبر:
في عدد السمير الصادر في أول أغسطس/آب 1940 صدر مقال رئيسي في «يوميات» أبـي ماضي بعنوان «فترة الارتقاب والانتظار» صوّر فيها محرر السمير الشعب السوري بلا فكرة يسعى لإدراكها ولا هدف يجاهد لبلوغه. وهذه هي خاتمة المقال المشتملة على هذه النظرة المخالفة للحقيقة المتخذة صفة طعنة حادة موجهة إلى المجاهدين السوريين القوميين الذين جاهدوا طوال سنين ولا يزالون يجاهدون بأنفسهم وأموالـهم جهاداً له فكرة واضحة وهدف صريح، جهاداً تكاتفت فيه ألوف من السوريين من جميع المذاهب وجميع الطبقات وشهد به الأعداء والأصدقاء من الوطنيين والأجانب. وهذا كلام السمير المتعلق بسورية:
«الأمم كلها تنتظر ما يكون (من وراء الحرب بين ألمانية وبريطانية)، لأن سعادتها وشقاءها متوقفان على نتيجة المعركة القادمة. وإذا لم تقع المعركة وتمَّ الصلح، فعلى الصلح الذي ستكتب شروطه يتوقف مصير الأمم كلها. كبراها وصغراها. الحرة منها والمستعبدة.
«إنما الأمم التي تنتظر الخاتمة تستعد وتتأهب لها سواء جاءت عند رضاها أم جاءت على غير ما تحب.
«أما نحن فإننا لم نفعل شيئاً بعد ولم نهيّئ لأي أمر عُدّته.
«ليس لنا فكرة نسعى لإدراكها.
«ليس لنا هدف نجاهد لبلوغه.
«ليس عندنا هيئة تمثلنا أو تعبّر عن رغباتنا، بل كلّ ما هنالك آراء وأحلام تلمع هنا وهناك، ثم تختفي هنا وهناك، فلا يشعر بها أحد حتى نحن.
«ألسنا أمة كباقي الأمم؟
«بلى، ولكن أين أهدافنا التي نسعى إليها؟»
هذا هو القسم من مقال محرر السمير المذكور آنفاً. وفيه ما تنتفض له عظام شهداء الحركة السورية القومية الذين سقطوا في فلسطين ويغلي له دم عشرات الألوف، بل مئات الألوف من السوريين القوميين الذين اضطهدوا وتألـموا في سبيل الفكرة التي يسعون إليها والهدف الذي يجاهدون لبلوغه، وتألـم ويتألـم اليوم عشرات من كبار مجاهديهم في السجون من أجل الأهداف الصحيحة التي يضع محرر السمير يديه على عينيه ويطبقهما حين ينظر إليها ثم يقول: «ليس لنا فكرة نسعى لإدراكها، وليس لنا هدف نجاهد لبلوغه.»
صحيح أنه ليس لجريدة السمير فكرة قومية تسعى لإدراكها ولا هدف قومي تجاهد لبلوغه. ولكن ميعان جريدة السمير نفسها يجب ألا يكون حجة لها لطعن شعب كله في كرامته، ورجال ونساء حركة شهد الأعداء قبل الأصدقاء أنّ لها فكرة واضحة تسعى لإدراكها وهدفاً جلياً تجاهد لبلوغه. وصحيح أيضاً أنّ شركات سياسية كثيرة نشأت لتحريض الشعب على الجهاد تحت تأثير نظرات اعتباطية ولأسباب معظمها ديني لا قومي. ولكن عند السوريين ليس أو يجب أن لا يكون «كله صابون».
ماذا يعني محرر السمير بقوله إنه ليس لنا فكرة وليس لنا هدف؟ هل يعني أنّ الحركة القائمة بفكرة وهدف لما تنتصر وتتسلم الحكم؟ أم يعني أنّ الفكرة القومية لما تصبح دين الأكثرية أو المجموع؟ أو ماذا يعني؟
فإذا كان يعني أنّ الحركة السورية القومية لما تتسلم زمام الحكم، فما أبعد أبا ماضي عن فهم طبيعة الفكرة وطبيعة الجهاد في سبيلها. وعلى هذا القياس «السميري» لا تكون الفكرة الاشتراكية القومية في ألمانية فكرة إلا بعد تسلّم هتلر الحكم، وقبل هذا التاريخ لم يكن في ألمانية فكرة. وعلى هذا القياس لم تكن الفكرة الشيوعية في روسية فكرة إلا بعد أن تسلّم البلشفيون الحكم.
وإذا كان يعني عدد معتنقي الفكرة فيجب أن يعلم محرر السمير أنّ العدد لا قيمة له إلا قيمة نسبية. فالشيوعيون تسلّموا الحكم في روسية وهم لا يزيدون أو لا يبلغون خمسة بالمئة من مجموع الشعب الروسي.
والنازيون في ألمانية تسلّموا الحكم وهم أقلية فيها، وأقل أحزابـها الكبيرة عدداً.
وإذا كانت الفكرة السورية القومية لم تنتشر بالسرعة التي يتمناها القوميون فهل رجعت جريدة السمير إلى ضميرها وفحصته بنزاهة؟ فإنها إن فعلت فهي لا شك تكتشف أنـها تساهم بنصيبها في تسميم الرأي العام السوري بنفي وجود فكرة يسعى لإدراكها ألوف منه بينهم عدد كبير من زهرة شباب سورية، وبتشويه الحقائق المتعلقة بهذه الفكرة حتى تظهر عديمة الجاذبية ومشوشة الشكل، وبدسّ كلمات توحي الشك في «طرائق» الحزب من غير تعيين هذه «الطرائق» المشار إليها ليتسع نطاق الشك والبلبلة.
وإذا كانت «طرائق» الحزب السوري القومي لا تعجبها، فما قولها بمبادئه وغايته التي تنكر وجودها في الشعب السوري؟ أتـحاربون الفكرة وتنكرون وجودها، وتحاربون الهيئة التمثيلية بغير مستند صحيح ثم تقولون «ليس عندنا هيئة تمثّلنا أو تعبّر عن رغباتنا»، أتقتلون روح الشعب وتعيرونه؟!
إنّ هذه الطعنة الجاهلة التي توجهها السمير إلى ألوف المجاهدين في سبيل وحدة وطنهم وقوميتهم ومتحدهم الاجتماعي وفي سبيل إقامة نظام يكفل العدل الاجتماعي - الاقتصادي في الشعب السوري لم تقابل في حينها بحملة قوية تردّها في صدر طاعنها، لأن القوميين كانوا يلتمسون الأعذار لمحرر السمير، فبعضهم كان يقول إنّ أبا ماضي شاعر وليس مفكراً قومياً اجتماعياً ـــ سياسياً، وآخرون كانوا يجدون أعذاراً أخرى. ولكن مع كل هذه الأعذار فقد وجد المفكر السوري القومي المشار إليه أنه يجب تنبيه السمير ولفت نظر الرأي العام إلى هذا الخبط على غير هدى الذي يغمط ألوف القوميين حقوقهم ويجازيهم شر جزاء على جهادهم القومي المخلص، فكتب مقالاً ردّ به على ادعاء محرر السمير أنه لا فكرة ولا هدف عندنا نجاهد لتحقيقهما. وعملاً بالقاعدة المثلى في هذا الصدد أرسل مقاله إلى جريدة السمير عينها وقد تجنب فيه ما أمكن التعرض لروحية السمير المائعة المهدمة. ولكن السمير التي أجازت لنفسها إعطاء دروس، في بعض المناسبات، في الواجبات الصحافية لم ترَ من واجبها إطلاع الرأي العام على تفكير مفكر قومي يعبّر عن موقف ألوف من الذين يعنيهم مقالها فرفضت نشر المقال، فاضطر صاحبه إلى الالتجاء إلى جريدة أخرى لنشره فنشرته النسر على ما وردت الإشارة إليه.
خالفت السمير برفضها المذكور دروساً ظنت أنـها هي وحدها تعرفها وتلقيها على الناس، ولذلك أجازت لنفسها خرقها. ففي عددها الصادر في 24 سبتمبر/أيلول 1940، أي بعد رفضها نشر المقال القومي بنحو شهر تقريباً، نشر محررها رئيسية في «يومياته» بعنوان «ذلك المنشور» استهلها بهذه العبارة: «من الأصول المرعية في الصحافة الأميركية إذا ظهر في الجريدة مقال بقلمها أو بقلم سواها فإن الرد على ذلك المقال ينشر فيها لا في جريدة أخرى»، ثم يقول: «فإن كل جريدة تفتح أعمدتـها للجدل المفيد والمناظرة الرائعة القائمة على روح الإنصاف.»
وليس في مقال المفكر القومي غير درس رائع قائم على روح الإنصاف. ولكنه ينقض ادعاءات محرر السمير أنه لا فكرة ولا هدف لنا، ويعطي البراهين التاريخية والفكرية على ذلك. وهو مع ذلك لم يتعرض لطعنة السمير ولموقفها الخاص لا بكثير ولا بقليل. ومع ذلك فإن جريدة السمير الكلية المعرفة لم تجد أنّ نشره من الواجبات الصحافية والأصول المرعية! فاضطر العالِم صاحب المقال لإرسال مقاله إلى جريدة أخرى.
أمّا مقال المدعو عبدالله برّي المخالف لجميع الأصول المرعية في الصحافة لاستخدامه مقالاً نشر على مسؤولية إدارة هذه الجريدة الزوبعة للتهجم على شخصية موجد القضية السورية القومية ومولّد حركتها ولنسبته إلى مبادىء الحزب السوري القومي أموراً ليست موجودة فيها، فإن محرر السمير وجد فيه جميع شروط «الأصول المرعية» للنشر! والظاهر أنّ الأصول المرعية عند السمير هي أن يكون شتاء وصيف على سطح واحد!
ماذا في مقال المفكر القومي مما يسوء محرر السمير أو أصحاب محرر السمير رؤيته؟ هو قول الحقيقة في شخصية زعيم الحركة السورية القومية. فإن محاربة شخصية موجد النهضة السورية القومية قد أصبحت ديدن جميع الرجعيين والفوضويين والنفعيين.
هذا هو السبب في ارتكاب السمير جريمة سبقت هذه الجريمة بأيام معدودة وإليك البيان:
نشرت السمير في عددها الصادر في 24 يوليو/تموز 1940، تحت باب «صورة قلمية» مقالاً للمفكر القومي عينه، الذي رفضت بعد ذلك بأيام نشر ردّه على سفسطتها، بعنوان «الديموقراطية الجديدة». وقد تناول المقال نظريات جديدة للزعيم في العلم السياسي - الاجتماعي أعلنها في بعض محاضراته في الأرجنتين.
وصاحب المقال، الذي هو ذو مقام علمي وليس من الذين ينتحلون أفكار غيرهم لأنفسهم أثبت نسبة أفكارسعاده إليه في المقال، ولكن محرر السمير حذف اسم أنطون سعاده من كل مكان ورد فيه منسوباً إليه رأي أو مذهب أو نظرية في موضوع الديموقراطية. فأرسل صاحب المقال كتاباً إلى مدير هذه الجريدة الزوبعة يشكو فيه بمرارة من هذا الإجحاف بشخصية زعيمه وشخصيته هو، إذ إنّ محرر السمير جعله في مصاف عدد كبير من الأدباء اللاقوميين العائشين على أفكار غيرهم. فقد غمط أبو ماضي حق الزعيم في أفكار هي له، وشوّه الحقيقة التاريخية، وأسقط حق الرأي العام في الإطلاع على أسـماء المفكرين ليعرف أفكارهم، وخرق حرمة الأمانة الصحافية في وجوب نشر الحقائق من غير تحوير أو تشويه.
بعد أن يأتـي محرر السمير هذه النقائص الفاضحة يعود فيظهر أمام الرأي العام في مقالته «ذلك المنشور» المشار إليها آنفاً بمظهر الصحافي النزيه المنصف، فقال عن المنشور الذي تمنّع عن نشره، وعليه مدار مقالته، هذه العبارة «أما نحن فلم نسوِّغ لأنفسنا حذف شيء منه» أي أنه نزيه لا يفعل كما فعلت الجرائد الأخرى التي تصرفت بالمنشور «وشطبت على القسم الأكبر منه.»
فإذا كان محرر السمير يعلم أنّ التصرف والتلاعب بكتابات الأدباء والعلماء ومن جرى مجراهم ليسا من «الأصول المرعية» عند الصحافيين الذين يحترمون أنفسهم، فلماذا سوَّغ لنفسه «الشطب على» اسم أنطون سعاده حيثما ورد في مقال عالِمٍ يردّ الأمور إلى أصولـها والنظريات إلى أصحابـها، حتى أظهرت السمير ذلك العالِم بمظهر من يعدو على أفكار غيره وينتحلها؟ هل يجب أن نذكّر أبا ماضي بقول القائل:
لا تــنــه عن خــلــق وتــأتـــــــــي مــثـلــه
عـــار عــلــيـك إذا فــعـلـت عــظــيــم
أبـهذا الانحطاط المناقبي وهذه الأساليب الخالية من الشهامة ومن الأمانة للحق العام وواجب المهنة تريدون، يا أدباء العهد اللاقومي، أن تحاربوا اسم سعاده وشخصه وأفكاره ونظرياته، والحزب السوري القومي ومبادئه وخططه؟ إذن فأبشروا بخزي يسجله لكم تاريخ الأدب والصحافة وتاريخ نهضة سورية القومية!
ليس ما تقدم كل ما تحاسب عليه جريدة السمير فهنالك مقال ظاهره انتصار للمجاهدين السوريين القوميين ضد أحكام المحكمة الفرنسية العسكرية عليهم، وفي باطنه حربة حادة غض الأمين فخري معلوف نظره عنها حين كتب إلى محرر السمير يثني عليه من أجل مقاله المذكور الذي عنوانه «صار الدخيل رب الحمى» وهو منشور في «يوميات السمير» في العدد الصادر في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
المقال تعليق على خبر نشرته جريدة الدايلي نيوز النيويوركية بشأن الحكم غيابياً على الأمين فخري معلوف بخمس عشرة سنة سجن وعشرة نفي غير مخصص. وبعد أن قال المحرر أنه لا ذنب للذين حكمت عليهم المحكمة العسكرية «تلك الأحكام الغاشمة إلا أنـهم يحنّون إلى الحياة الحرة في بلادهم ويعملون لبلوغ هذه الأمنية بالوسائل السلمية، الخ.»، عاد فاستدرك في ختام مقاله قائلاً «وليس في وسعنا، وإنْ اختلفنا مع الحزب السوري القومي في طرائقه، أن نسكت عن اضطهاد كهذا، الخ.»
أمّا قوله عن رجال الحزب السوري القومي ونسائه أنـهم «يحنّون إلى الحياة الحرة في بلادهم»، فأضعف وأقل ما يمكن أن يقال فيهم من حيث حقيقة أمرهم وحركتهم.
وأما قوله «وإنْ اختلفنا مع الحزب السوري القومي في طرائقه»، فطعنة مرسلة في المقال، بل هو السم في الدسم.
إننا لم نقرأ لمحرر السمير أي مقال يظهر فيه ما هي «طرائق» الحزب السوري القومي التي يقول إنه يختلف مع هذا الحزب فيها. وإرسال مثل هذا القول على هذه الصورة من غير أن يعيّن طريقة واحدة أو شاهداً واحداً ليس سوى مقاومة جبانة متخفية وتحامل فاضح.
ما هي «طرائق» الحزب السوري القومي الأكيدة، الصحيحة التي يعرفها أبو ماضي «ويختلف مع الحزب فيها»؟ أهي الصراحة في القول حين يلجأ محرر السمير إلى المواربة؟ أهي إعطاء كل ذي حق حقه بينما يعمد محرر السمير إلى تشويه الحقائق التاريخية؟ أهي الغضبة للكرامة القومية التي يهينها ناظم في موقف شبه رسمي بينما يتحفز محرر السمير للتحامل على من ينتصر للكرامة القومية وللانتصار لمن أقدم على إهانة علم الأمة التي ينتسب إليها وإهانة شرف الشعب الذي هو منه وإباءه؟ أهي أهداف الحزب السوري القومي الجلية وطرائقه المستقيمة التي تختلف عن طرائق أعدائه والذين ينتفعون من أعدائه الملتوية؟
إنّ هنالك طرائق يختلف فيها الحزب السوري القومي ومؤسساته مع محرر السمير ومن نهج نهجه من أدباء العهد الآخذ في الزوال وصحافييه. نحن نقول لأبـي ماضي إنه إذا أرسل مقالاً لأية صحيفة قومية محافظة على طرائق الحزب السوري القومي فمدير تلك الجريدة أو محررها لا يغيّر شيئاً من الحقائق أو الأقوال والنظريات الواردة فيه إلا بعد استشارته.
ونقول له إنه إذا كانت جريدته اليومية لا يبقى فيها متسع، بعد وصف الأعراس وحفلات الطعام والشراب العائلية والقداديس والجنازات وعواطف الأنصار وآراء القرّاء في أثـمن ساعاتهم وتدشين الكنائس وحفلات العمادة وغير ذلك من المواضيع الهامة، لنشر رأيه في «طرائق الحزب السوري القومي» التي «يختلف معه» فيها فكل جريدة قومية لا ترفض نشر أي مقال له بهذا الصدد مقصود منه البحث على ضوء الحقيقة ومعالجة الأسباب والنتائج وليس التحامل أو التغرض أو المماحكة أو إرسال المطاعن الخفية في جو من الغموض والإبهام الذي هو دليل سوء نية. ولكننا ننصح أبا ماضي أن يهتم بــإصلاح طرائق جريدته قبل الاهتمام بإصلاح طرائق الحزب السوري القومي. فإن ذلك يكون أفْيد للمجتمع الذي يدّعي خدمته.
إنّ الحزب السوري القومي كان يشتري بماله كراريس الخوراسقف لويس خليل اليسوعي الذي عنوانه مؤامرة على الدين والوطن الحزب السوري القومي ويوزعه على القوميين وغير القوميين، لأن الحزب السوري القومي واثق من نفسه وعقيدته ولا يخشى مهاجمة كاتب أيّاً كانت صفته وكائنة ما كانت منزلته!
«أيها المراؤون، انزعوا أولاً الأخشاب التي في عيونكم وحينئذٍ يتسنى لكم أن تبصروا القذى الذي في عين أخيكم!» [متى 5:7].
قد يقول محرر السمير إنه خدم الحزب السوري القومي بنشر معلومات، وأحياناً مقالات عنه في حين أنّ جرائد أخرى كتبت ونشرت ضده أو سكتت عنه. ونحن نقول في هذا الصدد إنّ السمير لم تخدم سوى نفسها ولم تقم بغير القليل من واجبها نحو قرائها وإنها، وهي تخدم نفسها شوّهت الحقائق المتعلقة بالحزب السوري القومي وزعيم الحركة السورية القومية. فهي كانت ضد الحزب القومي في ما نشرته أو اختارت نشره عنه، في السنتين الأخيرتين على الأقل.
إنّ الحزب السوري القومي يفضّل أن يرى السمير مقاومة بصراحة في سبيل عقيدة عندها على أن يراها محاربة في السر ومقاومة بالدسّ، من أجل المحافظة على بعض المنافع التي تربطها بأوساط سورية رجعية في الولايات المتحدة.
إننا نحترم عقائدنا ونحترم غيرنا إذا كان ذا عقيدة وإن تكن مخالفة لعقيدتنا بشرط أن لا يلجأ إلى الوسائل غير الشريفة في محاربته لنا.
بلغنا هذه النتيجة على الرغم من العواطف التي كنا نحفظها لمحرر السمير من أجل فنّه الشعري والألـم يحزّ نفسنا، لأننا كنا نتوقع أن نرى أبا ماضي فوق هذه الطبقة الفاقدة أسس المناقب الصحيحة من الصحافيين والناظمين من رجال العهد اللاقومي. كنا نودّ أن نرى أبا ماضي في تفكيره فوق تفكير رشيد الخوري وزكي قنصل. ومن أجل ذلك صبرنا على جرحه شعور الألوف منا إلى هذا الحد. وقد وجدنا في ما أثبتناه آنفاً كفاية لإيضاح موقف السمير فضربنا صفحاً عن مآخذ أخرى كثيرة.
إننا من أجل منزلة أبـي ماضي نفسه نفضّل أن نراه عدواً شريفاً، على أن نراه في عداد المتذبذبين، إننا نضنّ به أن يكون في هذا الدرْك!